الجروح المتقيحة في جسد الإعلام الوطني؛ جراحة عميقة، وليس مسكنات مؤقتة
إن وسائل الإعلام الوطنية الإيرانية، وهي المؤسسة التي كان من المفترض أن تكون مرآة شاملة للتنوع الثقافي والديني والمذهبي للشعب، وأن تتبع نهجاً مهنياً ومسؤولاً في طريق التماسك والوحدة، انحرفت للأسف عن هذه المهمة الأساسية مراراً وتكراراً.
ومن الأمثلة الحديثة على هذا الانحراف ما حدث من إهانة وشتم للخليفة الأول لأهل السنة أبيبكر الصديق رضي الله عنه في أحد البرامج التلفزيونية. إن هذا العمل لا يؤذي مشاعر ملايين المواطنين السنة الإيرانيين ومليارات المسلمين في جميع أنحاء العالم فحسب، بل يشكل أيضًا انتهاكًا واضحًا ومتكررًا للوظائف المهنية لوسائل الإعلام.
إن تكرار هذا النوع من السلوك غير المهني في ما يسمى بالإعلام الوطني، وخاصة في هذه الفترة والأشهر الأخيرة وفي مختلف المجالات، أمر يدعو إلى الأسف الشديد والتأمل.
وتتجلى هذه التصرفات ليس فقط في القضية الأخيرة المتعلقة بإهانة مقدسات أهل السنة ومعتقداتهم بل أيضاً في طريقة تناولهم للقضايا العرقية والسياسية والاجتماعية، مما يشير إلى نهج إشكالي وعدم الالتزام بالمبادئ الأساسية للمهنية في هذه المنظمة.
الانتهاكات المتكررة للوظائف المهنية لوسائل الإعلام الوطنية
إن الوظائف المهنية لوسائل الإعلام، وخاصة وسائل الإعلام الوطنية، في مجتمع متنوع وديناميكي مثل إيران تتجاوز مجرد تقديم معلومات سطحية.
وتشمل هذه الوظائف ما يلي، والتي تم انتهاكها للأسف مرارا وتكرارا في وسائل الإعلام الوطنية الإيرانية:
مبدأ الحياد والتوازن
يجب على وسائل الإعلام المهنية أن تعكس وجهات نظر ومعتقدات مختلفة باحترام وبدون تحيز غير عادل.
إن الإساءة إلى مقدسات دين معين هو انتهاك واضح لهذا المبدأ الأساسي، ويظهر أن المنصة الإعلامية الوطنية، بدلاً من أن تكون ملكاً للجميع، أصبحت تحت وجهة نظر منظورة وطيف محدد.
احترام الجمهور والتنوع الثقافي
يتوجب على وسائل الإعلام الوطنية أن تتعامل مع كافة مخاطبیها باحترام وأن تعترف بالتنوع الثقافي والديني والمذهبي للمجتمع.
إن إنتاج وتوزيع محتوى يهين معتقدات جزء كبير من الجمهور ليس فقط أمرا غير محترم لهم، بل ويخلق أيضا الانقسامات وانعدام الثقة في المجتمع.
المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية
وتقع على عاتق وسائل الإعلام، باعتبارها مؤسسة مؤثرة، مسؤولية اجتماعية وأخلاقية ثقيلة. إن الترويج للكراهية والتعصب وإهانة مقدسات الآخرين لا يتناقض مع هذه المسؤولية فحسب، بل يمكن أن يكون له عواقب سلبية لا يمكن إصلاحها على التماسك الاجتماعي والأمن الوطني.
إنتاج محتوى مستنير ومبني على البحث
يجب على وسائل الإعلام المهنية إنتاج محتواها بناءً على معلومات دقيقة وأبحاث متخصصة.
إن نشر التصريحات المسيئة وغير المدعومة يدل على عدم احترام هذا المبدأ والسطحية في إنتاج المحتوى.
خلق جو من الحوار والتفاهم
ويجب على وسائل الإعلام الوطنية أن توفر منصة للحوار البناء والتفاهم بين مختلف شرائح المجتمع.
إن إهانة المقدسات، بدلاً من خلق مساحة للتفاعل والتفاهم المتبادل، يؤدي إلى تأجيج نار الاختلافات.
تكرار الأنماط الخاطئة وعواقبها
إن تكرار هذه الأنماط الخاطئة في وسائل الإعلام الوطنية، وخاصة في مجال القضايا الدينية الحساسة، يُظهر أن المواجهات المقطعیة دون تغيير جذري في النهج لم تنجح.
إن هذا التكرار لا يؤدي فقط إلى تقويض الثقة العامة، بل يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تأجيج الاستقطاب الاجتماعي ويمهد الطريق للأعداء لاستغلال مصالح ومخاوف هذا الشعب وهذه الرقعة الشاسعة.
الحاجة إلى تغيير جذري
باعتباري ناشطًا إعلاميًا، أعتقد أن الوقت قد حان؛ ومن الضروري أن يقوم مسؤولو وسائل الإعلام الوطنية، وبعيدًا عن ذلك صناع القرار وواضعو السياسات في قطاع الإعلام في البلاد، بمراجعة سياساتهم وتوجهاتهم بشكل جدي.
ومن بين الخطوات الضرورية في هذا الاتجاه اعتماد مدونة أخلاقية مهنية ملزمة، والتدريب المتخصص للموظفين حول التنوع الثقافي والديني، والاستفادة من آراء الخبراء، وإنشاء آليات رصد قوية لمنع تكرار مثل هذه الأحداث.
يجب على وسائل الإعلام الوطنية أن تفهم أن أصولها الرئيسية هي ثقة جمهورها، وهذه الثقة سوف تضيع بسهولة في حالة عدم احترام معتقدات ومقدسات جزء كبير من المجتمع.
إن العودة إلى مسار الاحتراف واحترام التنوع والسعي إلى خلق الوحدة والتعاطف هو أحد الحلول الجادة لإعادة بناء هذه الثقة ولعب دور فعال للإعلام في بناء إيران مزدهرة وموحدة ومتماسكة.
القرحات الفموية الناتجة عن الانتهاكات المتكررة للمبادئ المهنية تتطلب جراحة عميقة وعلاج جذري، وليس مسكنات الألم المؤقتة.
الآراء